صلاح الدين
ورأب الجبهة الاسلامية
كانت طبيعة صلاح الدين
ونوازعه الاسلامية والجهادية مثلا حيا لعفوية الانسان صانع الحضارة ،وبتأثير هذه
البواعث أيقن صلاح الدين اهمية السعى الى توحيد الشام وشمال العراق وضمها الى مصر
فى مرحلة تمهيدية لخوض مرحلة أخرى أعظم ضراوة لتحرير الشرق من برائن الصليبية
،وسرعان ما أتخذ سبيله نحو تحقيق مشروعه الكبير (التوحيد) بعد وفاة نور الدين
محمود
وكان الصليبيون بزعامة
ريموند الثالث صاحب طرابلس والوصى على مملكة بيت المقدس يدركون من جانبهم الخطر
الذى سوف يتهددهم اذا ما نجح صلاح الدين فى رأب الجبهة الاسلامية ممتدة من النيل
الى الفرات .
والحق ان الساحة
الشامانية والجزرية قد خلت انذاك من رجال همام ممن ورثوا الحكم الزنكى بعد نور
الدين محمود فالصالح اسماعيل الوريث الشرعى لم يكن قد تجاوز الحادية عشرة من عمره
وأمراء نور الدين فى دمشق وحلب ليسوا على وفاق ،وأوجد التنافس بينهم عداوة وبغضاء
فسعوا للاستحواز على الصبى الوريث الشرعى رغبة فى الفوز بالملك دونما مراعاة لمبدأ
الوحدة والتضامن بعد غياب المجاهد نور الدين ودونما نظر الى خطورة التجمعات
الصليبية التى ما لبثت أن توحدت مرة اخرى بتأثير قيادة ريموند الثالث .
أما الورثة الزنكيون
وعلى رأسهم سيف الدين غازى الثانى صاحب الموصل فكانوا على حذر وخشية من أهداف
الناصر صلاح الدين التوحيدية والتى باتت فى نظرهم معوقا يحاول دون وصولهم الى
الفوز بميراث ال زنكى العظام .
اما صلاح الدين نفسه
فقد اصبح لا سلطان لاحد عليه فى مصر الامر الذى دفع به الى مراسلة أمرا الشام يؤكد
حقه فى الوصاية على الصالح اسماعيل بن نور الدين واملاكه ممهدا بذلك الى خطوة أخرى
لاحقة تنتهى بطبيعة الحال بتكوين ملك عريض يمتد من الفرات الى النيل
أدرك صلاح الدين أن
وحدة المسلمين تحت قيادته دون ان يشاركه احد تمثل عاملا مؤثرا كى يحقق الانتصار
على المسلمين فى وقت كان يحتمل فيه تعاون الامراء النوريين مع هؤلاء على حربه ،كما
أن خبراته التى اكتسبها من مصر جعلته يتطلع الى ضم الشان الى مصر
سرعان ما ثبت لصلاح
الدين صدق ما كان يدركه فبدلا من ان يعمل ابن المقدم صاحب دمشق على درء الخطر
الصليبى الذى شرع فى مهاجمة بانياس اذا به يراسل الصليبين ويحالفهم ضده الامر الذى
دفع بصلاح الدين الى ان يعلن تقبيحه لامراء الشام .
ولم يغفل صلاح الدين
حاجته الى جيش قوى وانه قد ترغمه اكماع الامراء النوريين الى طلب النجدة من مصر
لذا استخدم وسائل الترغيب بادى ذى بدء فى خوض أول مرحلة على طريق التوحيد وهكذا
صرح عند دخوله دمشق بأنه لا يؤثر على الاسلام واهله الا ما جمع شملهم وكلمتهم واعلن
وفائه للصالح اسماعيل وادى ذلك كله الى فتحه دمشق دون عناء وانفق اموالا طائلة على
اهل دمشق الذين ازدادوا تعلقا به وبعد ان استمال الدماشقة اتجه صوب حلب وفى الطريق
اليها استولى على حمص ثم حماه
مضى صلاح الدين وجه صوب
بلاد الجزيرة حيث فرض حصاره على الموصل سنة 578هـ ولما احس بمناعتها وصمودها اضطر
الى االعودة شاغلا نفسه بدرء المخاطر الصليبية التى استهدفت دمشق وبصررى وحوران
فعاد الى شمال الشام فارضا حصاره على حلب وصادف ان واكب هذه الخطوة يأس من قبل
أتابكها عماد الدين زنكى الثانى الذى لم يتردد فى مراسلة صلاح الدين سرا عارضا
عليه تنازله عن حلب مقابل محه سنجار فوافقه صلاح الدين وزاده
واخذ صلاح الدين يعمل
على حماية مصر لعلمه باهميتها القصوى التى جعلتها محل استهداف الصليبين
وهكذا نجح صلاح الدين
فى توحيد البلاد الشامانية والجزرية والمصرية تحت لوائه مكونا بذلك وحدة سياسية
عسكرية بين الفرات والنيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق